موقف المفكر عبد الله العروي من قبيلتي الخلوط و الطليق من خلال كتاب الأصول الإجتماعية و الثقافية للوطنية المغربية.
موقف المفكر عبد الله العروي من قبيلتي الخلوط و الطليق من خلال كتاب الأصول الإجتماعية و الثقافية للوطنية المغربية.
بدرالدين الخمالي
عمد المفكر المغربي عبد الله العروي في القسم الاول من كتابه الأصول الإجتماعية و الثقافية للوطنية المغربية الى تناول أصول النظام الإجتماعي و السياسي المغربي و اهم مميزاته في الفترة الممتدة من 1830 الى 1912 و عمل في الفصل الثالث من هذا القسم الى مقاربة منابع السيبة من خلال تمردات الحواضر و عمل الزوايا ثم القبيلة و الواقع القبلي في القرن التاسع عشر وقد وقف في تصديره للقبيلة على عدد من الدراسات الإثنوغرافية التي فندت حسبما ذهب إليه فكرتين كانتا سائدتين في القرن العشرين حول القبيلة.
اولهما هو وجود تاريخ قبلي يمكن تتبعه من خلال سلسلة تنقلات حددت بالاسم....حيث انه وان كانت بعض التسميات تدل على المسمى مثل حالة ايت عطا بوادي العبيد لانهم بنو عمومة ايت عطا الصحراء فإن تسميات اخرى لاتدل على الواقع حيث قال
(ان تسمية بني حسن تدل فعلا على جماعة متحركة ولكن ماذا تعني تسميات غريبة كالخلط و الطليق المستقرين في منطقة الغرب نفسها
ان التسميات في الحالتين الاخيرتين لا تدل على واقع ومن ثمة فمن الشطط الاستمرار في اعتماد لوائح تسميات مستمدة من المصادر الإخبارية.) ص 212 الأصول الإجتماعية - المركز الثقافي العربي 2016
ان ما ذهب إليه الاستاذ عبد الله العروي قد يبدو مثيرا للتساؤل حول مدى المام العروي بتاريخ القبائل المغربية خاصة وأن استفهامه حول أصول تسمية الخلط و الطليق و اعتبارها تسمية غريبة و لا تعكس الواقع القبلي يدل على امرين أساسيين.
- عدم ضبط التاريخ القبلي المغربي وخاصة تاريخ قبيلة الخلوط من قبل كثير من المؤرخين والدارسين بمن فيهم العروي
-تهميش قبيلة الخلط و الطليق في المصادر المتأخرة و عدم دقة المعلومات المتعلقة بها في الدراسات المغربية
يجب علينا الاشارة إلى ان العروي لم يعطي تعريفا دقيقا للقبيلة نظرا لتعدد الرؤى النظرية الاثنولوجية و السوسيولوجية التي تختلف تعريفاتها حسب زاوية النظر إلى القبيلة بشكل عام ثم التصورات التي ذهبت اليها الدراسات الكولونيالية و التي حاولت حسب العروي تقديم تعريفات للقبيلة تتساوق و الاهداف الاستعمارية اذ يقول ( وقد بدأت الأبحاث في أصول وخصائص و مميزات القبائل منذ نهاية القرن التاسع عشر لدوافع لها صلة بالسياسة الإستعمارية الفرنسية واستمرت في عهد الحماية و لا يبدو انها استنفذت اغراضها لحد الان.) الأصول ص 211
لكنه في مقاربته للقبيلة وقف عند عدد من النظريات الاثنوغرافية باعتبارها تقدم أساسا للفهم و الذي يقوم على النظرية البيولوجية السلالية التي تبناها الباحثون الاجتماعيون و شكلت القاعدة المشتركة للعلوم الإستعمارية وقعد لها في المغرب ميشو بليير حيث تبنت المفهوم العربي للقبيلة واقحمت جميع أوجه الحياة و العلاقات داخل البنية من دون الاهتمام بالتناقضات او تثمين التعارضات التي كشفت الأبحاث عنها و المرتبطة أساسا اما بعلم الانساب او بنمط عيش الترحال.) الأصول ص 28.
ويستحضر هنا دراسة لوكوز لقبائل الغرب بناء على مونوغرافية بليير المسماة الغرب ( بني حسن و بني مالك و سفيان و المناصرة و الشراردة ) الذي خلص الى ان القبيلة هي وحدة إدارية بوسعها في حالات معينة ان تتخذ معنى جغرافيا.
اما بالنسبة لقبيلتي الخلوط و الطليق اللتان اعتبر عبد الله العروي تسميتهما غريبتان فقد تم ادراجهما ليعبرا عن نظرية جاك بيرك المعارضة لتصور مونطان و هي سوسيولوجيا التسميات التي تقوم على دراسة و تحليل الالفاظ و التسميات المستعملة للدلالة على المتقابلات و المتناقضات اللازمة لصيرورة المجتمعات و يعطي بيرك النموذج بقبيلتي بني مالك و سفيان و الخلط و الطليق الذي يختزل فكرته التي تقوم على مفهوم النسيج المستديم في اعتبار أن القبيلة هي وحدة اجتماعية أصيلة و منسجمة مع محيطها بصرف النظر عن تسميتها و هي تتضخم عدديا و تكسب خصائص مبتدعة بفعل التطور الطبيعي و تبحث لها عن وعاءات إسمية تميز بينها.
لم يتناول العروي مسألة التسمية بخصوص الخلط و الطليق كما ان بيرك نفسه بنى تصوره على نموذج تسمية الخلط و الطليق بناء على التباس و توهم ظنا منه ان هذه التسميات مبتدعة و لا تعكس حقيقة تاريخية بل حكايات قد تكون من نسج الخيال كما انه في انتقاد تصوره لم يتجاوز استغرابه الأولي من التسميتين.
لم يكن هدف العروي في أطروحته حول القبيلة تقديم طرح مفصل لكل قبيلة على حدة للوصول إلى مبتغاه وهو فهم النظام الاجتماعي و السياسي المغربي و ديناميته.
و لكن إعطاء النماذج بقبائل محددة من اجل فهم التحولات و التناقضات التي عرفها المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر و خاصة في حالة الخلط و الطليق لم يكن موفقا.
فتسمية قبيلة الخلط لم تكن تسمية مبتدعة نتيجة لصيرورة معينة داخل السياق المغربي بل هي اقدم بذلك بكثير تؤكد على ذلك كتابات الإخباريين و المؤرخين منذ العهد الموحدي اما تسمية الطليق فهي ما يجب الوقوف عندها مليا لفهم طبيعة العلاقة بين القبيلة و السلطة المركزية و كيف تؤثر الأحداث السياسية و العسكرية في التحولات التي قد تصيب القبيلة و تؤدي الى تغيير تسمياتها و انتشارها الجغرافي و بنيتها السكانية و معارفها.
يذهب ميشو بليير في هذا الصدد إلى أنه لا يوجد اي فرق بين قبيلتي الخلوط و الطليق على مستوى اللباس و العادات و السحنات و لكن الطليق اكتسبوا معارف خاصة بسبب احتكاكهم عن قرب بالسلطة المخزنية ابان فترة تغريبهم خلال حكم الدولة السعدية.
ربما ليس من السهل حل إشكالية التسمية دون الاطلاع على التاريخ الخاص لكل قبيلة و منها قبيلة سكساوة التي تحدث عنها العروي من خلال أطروحة مونطان لكن في نموذج الطليق فإن الأمر مختلف تماما اذ يجب الاطلاع على التاريخ السياسي و عمل الدولة للوقوف على اصل التسمية.
يقول عبد العزيز الفشتالي في كتابه مناهل الصفا في ماثر موالينا الشرفا (كان هؤلاء العرب ممن ابلى البلاء الحسن في الدفاع مع بني مرين وشمر للحمامات دونهم حتى اظهر عليهم امر الله و تقطعت بهم الأسباب فاصبحوا طعنة لسيوف الدولة الكريمة العلوية و اسرى مقرنين في الأصفاد من قهرها و غلبها ). ص108
Commentaires
Enregistrer un commentaire