الاستعمار و نهاية القبيلة - قبيلتي الخلوط و الطليق نموذجا-
بدرالدين الخمالي
الصورة المرفقة هي لفرسان من قبيلة الخلوط رفقة القائد علي بن محمد
ازطوط ماخوذة من رحلة ادموندو دي اميسيس الى المغرب سنة 1875
#مركز_ريصانة
بحلول سنة 1956 كان الاستعمار الفرنسي قد استطاع بشكل شبه تام إعادة
تدوير البنى الاجتماعية الكبرى للمجتمع المغربي حيث تاثر الثالوث المركزي للبنية
الاجتماعية المغربية وهي المخزن - القبيلة - الزاوية بشكل بالغ بالسياسة
الاستعمارية كما انعكس ذلك على مجالات انتشارها (المدينة) و (البادية) و على
تفاعلاتها التاريخية الخضوع - التمرد - السيبة.
فقد تاثر وجه المخزن التقليدي و بدت التحولات التي ادخلتها الإدارة
الاستعمارية على بنية الدولة و اقتصادها و تنظيمها حاسمة في رسم ملامح المخزن
الحديث لما بعد الاستقلال بل حتى على مستوى تركيبة النخبة الوطنية و ثقافتها و
نوعية تعليمها و التي ستدخل في عملية صراع طويل المدى مع الملكية (الشكل الجديد
للمخزن) و الكومبرادورية ( الشكل الجديد للاقطاع القيادي)
أما الزواية - الطريقة فبنهاية الحقبة الاستعمارية انكمشت على
نفسها بفعل الضربات التي تلقاها الخطاب الصوفي من قبل تيار السلفية الوطنية و بفعل
الأخطاء التي ارتكبها شيوخ الطرق الصوفية ابان المرحلة الاستعمارية و اهمها -
التحالف مع الاحتلال الفرنسي و مساندة سياساته - معاداة الحركة الوطنية - قصور
الخطاب الصوفي و رجعيته
اما القبيلة المغربية -بصيغة الجمع - فقد كانت الهزائم العسكرية
التي الحقها بها المستعمر الفرنسي بعد مقاومتها العنيفة و الطويلة إيذانا بأفول
شمسها و نهاية عصور مجدها و مركزيتها في بنية النظامين الاجتماعي و السياسي
المغربي و إيذانا ببداية التحول الذي ستعرفه البادية المغربية و الإنتاج الزراعي
في المغرب كما يعبر عن ذلك بول باسكون رائد السوسيولوجيا القروية في المغرب.
و سيلعب التقطيع الإداري و الترابي الذي فرضه الاستعمار الفرنسي
دورا حاسما في تفتيت القبيلة و تذويبها و إعادة رسم حدودها و تحول ادوارها
ولن نكون مجانبين للصواب إذا قلنا بان قبيلتي الخلوط و الطليق
عرفتا نفس المنحى مع الاستعمار الاسباني الذي استفاد بشكل كبير من الدراسات السوسيولوجية
و المونوغرافيات التي شملت القبيلتين في فهم الميكنزمات الاجتماعية و الثقافية
المتفاعلة داخليهما في عملية تطويعيهما و تفتيت عناصر قوتيهما و السيطرة عليهما و
على المجال الشاسع الذي تنتشران فيه بحكم ان الأهداف الاقتصادية الاستعمارية كانت
واضحة بشكل كبير في الحملة الاستعمارية الاسبانية على مجال حوض اللكوس و تجلى ذلك
بجلاء عند تأسيس شركة اللكوس الفلاحية سنة 1926.
كما استفاد المستعمر الاسباني من الانقسامات و الصراعات المحتدمة
داخل القبيلتين بين الأعيان و القياد الأمر الذي أدى إلى اضمحلال الولاء للقبيلة و
الدولة لدى اغلبهم مقابل البحث الشره عن المغانم و المصالح و السطو على الأراضي و
اغتصابها و شراء المناصب و التواطؤ مع المستعمر.
لن نضرب الآن الأمثلة و النماذج لان الظاهرة تكاد تكون عامة
بالنسبة لأغلب القبائل المغربية وليس فقط بالنسبة لقبيلتي الخلوط و الطليق اللتان
تحولتا خلال القرن التاسع عشر الى مجال رحب لممارسة مفهوم السيبة الذي استفاد منه
بشكل اساسي القياد و الباشوات الاقطاعيون و الاستعمار الاسباني بسبب انتشار
اللصوصية و السطو المسلح و نهب المحاصيل و سرقة المواشي و حوادث القتل و إطلاق
النار.
حتى ان الاستعمار الاسباني تحين فرصة إطلاق النار من قبل مجموعة من
فرسان الخلوط بالسوق الأسبوعي لمدينة القصر الكبير - وهي حادثة مفتعلة - لكي
يجعلها ذريعة للانقضاض على مدينة العرائش سنة 1911.
و ليتوغل في مجال قبيلتي الخلط و الطليق بحوض اللكوس ضاربا عرض
الحائط بالتوازنات التي كانت فرنسا و ألمانيا تحرصان على استمرارها في المغرب خلال
هذه المرحلة.
كانت صدمة الاحتلال الأجنبي جد عنيفة على القبيلتين اللتان عهدتا
التمرد و الفروسية و عدم الخضوع حتى لسلطة المخزن لكن التفكك و الاضطراب و تحكم
القائد بوسلهام الرميقي في القبيلة و فرسانها و وقوفه بجانب المستعمر الاسباني كان
له الاثر البالغ في انهيار المقاومة و عدم قدرتها على الاستمرار و بالتالي انهيار
القبيلتين معا و بنيتهما الاجتماعية مما اتاح للمستعمر الاسباني الفرصة للانقضاض
على الأراضي و تأسيس الاستغلاليات الاستعمارية.
يتبع....
Commentaires
Enregistrer un commentaire