لعب حزب الشورى والاستقلال بقيادة محمد بلحسن الوزاني دورا راندا ضمن
الحركة الوطنية وساهم في تعبئة الجماهير الشعبية المغربية من أجل الاستقلال، الا
أنه اصطدم في الواقع بقوة حزب الإستقلال الذي استطاع بفضل حزب الإصلاح الوطني
بشمال المغرب من نيل الشعبية الكبرى في معظم مدن و قبائل شمال المغرب، وخاصة
قبيلتي الخلوط والطليق بعد أن أصبح الباشا محمد الملالي الرميقي في عقد الخمسينات
يؤيد بشكل صريح حزب الاستقلال ويقدم يد العون والمساعدة لحركة المقاومة
المسلحة.وعملية نقل السلاح من منطقة الحماية الإسبانية إلى منطقة الحماية الفرنسية
عبر مركزي الحدود الوهمية بعرباوة ولالة ميمونة،
بعد نفي الملك محمد الخامس رحمه الله.
ومن الراجح القول أن الدور الذي لعبه الباشا الرميقي في توظيف نفوذه لتسهيل
نقل السلاح إنما كان برضا السلطات الإسبانية في عهد فرانكو وموافقتها الصامتة لخلق
الاضطراب في منطقة سيطرة السلطات الفرنسية بعد محاولة هذه الأخيرة تغيير الاوضاع
السياسية في المغرب دون التنسيق مع إسبانيا.
ولذلك لم يتمكن حزب الشورى والاستقلال من الانتشار بقبيلتي الخلوط والطليق
بالشكل الكبير، ويعد سيدي أحمد البجنوني الخلطي المعروف بأبو الوفا أحد أبرز
قيادات الحزب بقبيلتي الخلوط والطليق و مدينة القصر الكبير، وكان له الدور الابرز
إلى جانب عبد السلام بن احمد الطود في استقطاب عدد من نخب القبيلتين للحزب.
وقد ساهمت الافكار والمواقف التي اتخذها محمد بلحسن الوزاني في كثير من
المحطات إلى أن ينحصر استقطاب حزب الشورى والاستقلال على النخب المثقفة والمدينية،
ولذلك لم يلقى الشعبية المطلوبة في البوادي.
من الراجح القول أن نشاط حزب الشورى والاستقلال بشمال المغرب وبمنطقة حوض
اللكوس وخصوصا بقبيلتي الخلوط و الطليق خلال فترة الحماية الإسبانية وإلى حدود سنة
1956 كان محدودا و منحصرا في بعض النخب، وفي المقابل كان حزب المغرب الحر وصحيفته
المسماة ( المغرب الحر) التي كان يديرها عبد السلام بن أحمد الطود يجد يوما بعد
يوم موطأ قدم بين في المنطقة الخليفية ، حيث نشأت منافسة قوية بينه وبين حزب
الإصلاح الوطني الذائع الصيت والذي سيندمج في حزب الإستقلال.
و بالمثل فحزب المغرب الحر سيندمج في سنة 1956 بحزب الشورى والاستقلال في
ظل الاستقطاب المحموم في تلك الفترة.
وسيؤدي هذا الاستقطاب إلى استقطاب على مستوى القياد و الباشوات حيث سينحاز
باشا القصر الكبير والقسم الجنوبي من قبيلتي الخلوط والطليق الملالي الرميقي لحزب
الإستقلال فيما سينحاز باشا العرائش والقسم الشمالي من قبيلتي الخلوط والطليق خالد
الريسوني لحزب الشورى والاستقلال وسيعمل كل واحد منهما على الحشد السياسي لاهالي
القبيلتين لتكتله ، و إطلاق منافسة محمومة كان الدافع وراءها هو رغبة كل طرف في
حماية مصالحه الإقطاعية في ظل تموقع جديد للنخب السلطوية فرضه واقع الاستقلال
السياسي ونهاية مرحلة الحماية وفكل الارتباط باسبانيا.
وقد كانت ثلاثاء ريصانة مسرحا لهذا التنافس المحموم بين الشخصيتين في ثوب
صراع سياسي بين تيارين حزبيين أراد كل واحد منهما فرض وجوده وشعبيته على الآخر في
مطلع الاستقلال، رغم أن حزب الإستقلال حاول نفي هذا الأمر إلا أن ما اعقب ذلك من
أحداث يفند ذلك.
حيث سيؤدي إلى وقوع الأحداث الدامية التي عرفتها ثلاثاء ريصانة ومدينة
العرائش يوم 17 أبريل سنة 1956.
بقي السبب حول قدوم الباشا خالد الريسوني لسوق ثلاثاء ريصانة يوم 17 أبريل
1956 غامضا لدى الكثيرين، ولم يستطع أحد لحدود اليوم الحسم في الأسباب التي دفعته
للقدوم على عجل الى السوق رفقته مساعديه المدججين بالسلاح، لكي يلقي خطبة غاضبة
على أهالي قبيلتي الخلوط والطليق كان مضمونها التحريض ضد حزب الإستقلال ودعوة
الاهالي لنبذ هذا الحزب و الانضمام لغريمه حزب الشورى والإستقلال، الذي قيل بأن
ابراهيم الوزاني قبل عضوية الباشا به.
لكن الاكيد ان الباشا كانت لديه معلومات مؤكدة بأن حزب الإستقلال يعمل بكل
جد على عزله من منصبه و التحريض ضده ووصفه بالعمالة للاستعمار الاسباني.
وان الدعاية ضده كانت على قدم وساق بقبيلتي الخلوط والطليق التي يملك بها
اقطاعات واسعة كان نظام الحماية الإسبانية قد منحها له.
ومن المؤكد القول إن أصابع الباشا محمد الملالي الرميقي الخصم الكلاسيكي
للباشا الريسوني كانت حاضرة بقوة فيما حدث.
وان تاجيج الشعور العام بالقبيلتين ضد الريسوني كان مرده السمعة السيئة
التي كانت للريسوني لدى أهالي القبيلتين اللتان كان يتعامل معهما بتعالي وازدراء
خاصة بعد توليته عليهما في سنة 1955 باستثناء الدواوير الحدودية مع القصر الكبير.
خصصت صحيفة
العلم الناطقة باسم حزب الاستقلال مساحات واسعة على صفحاتها لأحداث سوق ثلاثاء
ريصانة والعرائش، حيث شنت هجوما واسعا على الباشا خالد الريسوني ووصفته بأبشع
النعوث، وفيما يلي مقتطف من مقال صادر بالصحيفة يوم 20 ابريل 1956 ، حول الأسباب
التي دفعت الريسوني للتوجه إلى سوق ثلاثاء ريصانة مدججا بالأسلحة، ومنها التوجه
الرسمي لتنحيته من منصبه وحلول الملالي الرميقي مكانه و الغضبة الملكية عليه و
التي ترجمتها الاشارات التي صحبت
زيارة الملك محمد الخامس رحمه الله للعرائش والقصر الكبير وعدم لقاءه بالريسوني،
في حين نزل الملك بقصر الملالي الرميقي بالقصر الكبير وتناول وجبة الغذاء في
ضيافته قبل توجهه لعرباوة لإزالة الحدود الوهمية بين شمال المغرب ووسطه.
قامت الصحف الوطنية بمتابعة وتغطية الأحداث التي جرت اطوارها بثلاثاء
ريصانة والعرائش وانعكاساتها الخطيرة على الأمن والسلم الاجتماعي بمنطقة شمال
المغرب، في ظل حداثة المغرب بالاستقلال السياسي و التخوف الذي كان سائدا آنذاك من
ان تنفلت الامور من عقالها بعد سلسلة من الأحداث الخطيرة المماثلة التي حدثت
بمناطق أخرى من المغرب في نفس الفترة تقريبا.
وفيما شنت صحيفة حزب الإستقلال هجوما واسعا ولاذعا على الريسوني وأتباعه
ووصفته بالاقطاعي و الاستبدادي ، نحت صحف اخرى الى توصيف ما حدث بأنه صراع ذو طابع
حزبي بين حزبي الاستقلال و الشورى والاستقلال خاصة بعد الاحداث الأليمة التي
شهدتها منطقة سوق اربعاء الغرب بينهما.
الا ان إطلاق الرصاص الحي وبشكل عشوائي من قبل اعوان الريسوني على المحتجين
عليه بسوق ثلاثاء ريصانة أدى إلى تفاقم الأوضاع وانتشار الاضطرابات الى مدينة
العرائش بعد ان عاد إليها الريسوني هاربا من موقع الأحداث بسوق ثلاثاء ريصانة.
وفيما يلي تغطية صحفية من صحيفة النهار الصادرة بتطوان بتاريخ 18 أبريل
1956 تحصي فيه عدد الضحايا من قتلى وجرحى، حيث بلغ عدد قتلى الأحداث سبعة أشخاص
وجرح أكثر من 18 اخرين وتم احراق ونهب 6 منازل من بينها مقر إقامة الريسوني نفسه.
لم تتوانى صحيفة العلم الناطقة بلسان حزب الإستقلال في وصفها اللاحق للأحداث
التي عرفتها ثلاثاء ريصانة والعرائش عن كونها احتجاجات شعبية ضد احد رموز السلطة
في عهد الحماية الإسبانية، وأن الأمر لا دخل له بأي صراع حزبي كيفما كان نوعه.
الا ان الاخبار التي تواردت حول الأحداث في بدايتها أكدت أن الأمر يتعلق
بصراع بين الباشا و افراد من حزب الإستقلال تحول إلى إطلاق نار عشوائي على الأهالي
في يوم كان فيه سوق ثلاثاء ريصانة مزدحما بجموع المتسوقين الذين وجدوا أنفسهم تحت
نير رصاص أعوان الباشا خالد الريسوني.
والظاهر أن الانزال الذي قام به حزب الإستقلال بسوق ثلاثاء ريصانة ذلك
اليوم هو ما دفع الباشا الريسوني للقدوم على عجل مصحوبا باعوانه المسلحين لمواجهة
الدعاية التي كان يروجها حزب الإستقلال عنه، الا ان سوء تقديره و تأجيج بعض
الأهالي عليه هو ما أدى لانفلات الأوضاع وانتقال الاضطرابات لمدينة العرائش.
وفيما يلي مقتطفات من تقرير صحفي يصف ما حدث بأنه إطلاق النار من قبل أعوان
الباشا الريسوني على أفراد من حزب الإستقلال، كما يتحدث عن تشييع الشبيبة
الإستقلالية لجنازة عدد من الضحايا بالعرائش.
وعلى إثر الأحداث الأليمة والمؤسفة التي عرفتها ثلاثاء ريصانة و مدينة
العرائش أصدر مركز حزب الشورى والاستقلال بشمال المغرب بيانا تنديديا أوردته صحيفة
النهار الصادرة بتطوان بتاريخ 11 رمضان 1375 هجرية ، يحتج فيه على ماحدث، واصفا أن أنصاره هم من تحملوا
القسط الوافر من الأذى في تلك الأحداث وخصوصا بمدينتي العرائش والقصر الكبير وذلك
بسبب تحالف خصوم الحزب من رسميين وغيرهم، مسجلا احتجاجه على تلك الاعتداءات
المدبرة ، وانه في المقابل لم يقم بالرد بالمثل عليها محافظة على الأمن العام
ومراعاة لأوامر جلالة الملك محمد الخامس وحكومته تاركا للقضاء الحكم فيما حدث.
كما رفع حزب الشورى والاستقلال مذكرة مستعجلة لسعادة وزير الداخلية الحسن
اليوسي توضح وجهة نظر الحزب فيما حدث، حيث حمل فيها أولا المسؤولية للسلطات
الإسبانية التي تخلت بشكل فجائي عن دورها في حماية الأمن العام قبل أن تسلم
سلطاتها للبوليس المغربي، ثانيا لاولئك الذين نكلوا بالشعب المغربي بدعوى محاربة
الإقطاع واتخذوا من الكذبة الكبرى (المؤامرة على سلامة الدولة) مطية للسلب والنهب والاعتداء
وتحريض الجماهير ضد الأبرياء.
Commentaires
Enregistrer un commentaire