تاريخ دواوير العماير بقبيلتي الخلوط و الطليق
البويض- الكوحل – الطليق
بدرالدين الخمالي
تعتبر دواوير العماير من أهم دواوير قبيلتي الخلوط و الطليق[1] بسبب تاريخها الجهادي وموقعها الاستراتيجي بمحاذاة وادي المخازن حيث دارت رحى معركة وادي المخازن التي انتصر فيها الجيش المغربي على جحافل البرتغاليين.
وكان لقبيلة الخلط (الخلوط) الدور الأبرز فيها حيث شاركت القبيلة بحوالي 22.000 مجاهد من مجمل الجيش السعدي.[2]
حيث ساهم العماير مثل معظم مجاهدي قبيلة الخلوط العربية الذين كان يقودهم الشيخ الضريسي من فرع ضريسة بشكل كبير في انتصار معركة وادي المخازن لما أبدوه من بلاء حسن و جلاد في المعركة استحسنه المولى احمد المنصور الذهبي كما جاء في الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى.[3]
يرجع أصل كلمة العماير في اللغة إلى أصل عمارة وهي تعني شعبة من القبيلة و الفئة الكثيرة المنفردة عن الجماعة كما تعني العمارة العمامة أي ما يعتمره الشخص على رأسه.[4]
و في هذا الباب يقال إن أصل تسمية العماير بالبويض أي البيضاء و العماير الكوحل أي السوداء اعتمار كل فرقة منهم لعمامات بيضاء و سوداء مميزة لكل فرقة منهما يوم معركة وادي المخازن و هناك من ذهب إلى أن الأصل هو حمل كل فرقة منهم لأعلام بيضاء وأخرى سوداء و هذا مستبعد في نظرنا لان الأعلام يوم المعركة كانت موحدة وهي أعلام الدولة السعدية.
وقد استقر كل من العماير البويض و العماير الكوحل بعد معركة وادي المخازن قريبا من ارض المعركة حيث اقرهم السلطان المولى احمد المنصور عليها و اقطعهم إياها حيث تساكنوا إلى جانب الشرفاء احفاد سيدي امحمد بن ريسون حيث تمتلك الزاوية الريسونية عزائبا بدوار العماير الكوحل في حين يمتلك الشرفاء الوزانيون عزائبا بدوار العماير البويض أما العماير الطليق فقد شملتهم النكبة التي ألحقها السعديون بقبيلة الخلط حين قاموا بتغريب جزء كبير من دواوير القبيلة إلى احواز مراكش و فاس قبل أن يعودوا مرة أخرى إلى مضارب القبيلة و يطلق عليهم اسم الطليق.[5]
وقد خصص الاستعماري ميشو بليير في مونوغرافيته حول القبائل العربية بحوض اللكوس حيزا مهما للتعريف بدواوير العماير و مجالها.[6]
1- العماير البويض :
يقع دوار العماير البويض على الضفة اليمنى لوادي المخازن وعلى الضفة اليسرى لوادي غجدد الذي يصب بوادي المخازن على الطريق القديمة التي كانت تربط بين مدينتي طنجة و القصر الكبير.
و ينتسب العماير البويض الى أولاد عبد الله و يوجد به عزيب الشرفاء الوزانيين وهي عزائب مولاي علي و مولاي احمد أبناء الحاج سيدي عبد السلام الوزاني أما مقدم الدوار بالقرن التاسع عشر فقد كان هو بوسلهام بن عبد الله ثم خلفه من بعده ابنه المعروف بولد بوسلهام.
كما عرف دوار العماير بوجود منصب الجاري و هو المقدم الذي يتولى تدبير شؤون الفلاحين و الأرض ولازال الى اليوم عدد من الأسر بالدوار المذكور يحملون اسم الجاري وقد ورد ذكره ضمن دراسة اسبانية حول التنظيم الإداري لقبيلة الخلوط في القرن التاسع عشر.
2- العماير الكوحل :
يقع دوار العماير الكوحل على الضفة اليسرى من وادي المخازن على الطريق القديمة الرابطة بين طنجة و القصر الكبير عند شجرة كبيرة تسمى بالخروبة لذلك فقد كان دوار العماير الكوحل مشهورا لدى الرحالة و السفراء الاوروبيين الذين مروا من هذه الطريق و خاصة الرحالة الفرنسي دولاكروا و السفير الفرنسي الكونت دو اوبيني الذي اقام بدوار العماير الكوحل ضيفا على الشرفاء الريسونيين و السفير الايطالي ستيفانو سوكوفاصو و الرسام الايطالي الشهير ادموندو دي امسيس.
يتميز دوار العماير الكوحل بوجود عزيب الزاوية الريسونية به وهي اراضي معركة وادي المخازن التي منحها المولى احمد المنصور الذهبي للشريف سيدي امحمد بن علي بن ريسون صاحب رباط تازروت.
و هي الأراضي الواردة في ظهائر التوقير و الاحترام و الإقرار التي أصدرها سلاطين المغرب المتعاقبين لشرفاء بريسون و منها ما جاء في ظهير المولى محمد بن عبد الله سنة 1182 هجرية ( ...وكذلك جددنا على أرضهم التي بوادي المخازن حسبما هي محدودة في رسومهم التي بايديهم المسمات بغجدد و احجامر و ساحل بمكرول بملتقى الويدان و الأرض التي بالقنطرة بالوادي المذكور تجديدا تاما ...).
ورغم انه كان هناك تساكن و تعايش بين اهل العماير الكوحل و الشرفاء الريسونيين و عزابتهم الا انه كان من حين لاخر ينشب نزاع بين الطرفين و على سبيل المثال فقد ورد في رسالة ارسلها الباشا بوسلهام بن علي ازطوط عامل العرائش و قبيلتي الخلوط و الطليق إلى محمد بن ادريس بشان نشوب نزاع بين الشريف أحمد الريسوني و بين أهالي العماير بلغ صداه إلى السلطان.
حيث جاء فيها ( محل أخينا في الله ومحبنا الأجل الفقيه العلامة سيدي محمد بن ادريس ادام الله عزك وعلاك وسلام عليك و رحمة الله تعالى وبركاته عن خير سيدنا أيده الله ونصره و بعد فمما يجب به إعلام سيادتك انه ورد علينا الأمر الشريف في شان دعوى الشريف السيد أحمد الريسوني مع الخلط العماير و أمر مولانا المؤيد بالله أن نوجههم ليتقاضوا معه فقد وجهناهم و تحاكموا لدى القاضي العلامة الشريف مولاي عبد الهادي وضرب لهم الأجل بعدما أخذت النسخ من رسومهم و حلت وحضروا لدى القاضي وهكذا يبقون كما كنت ذكرت لنا وان هذا بحر لا ساحل له و نحن عندنا أمرهم على حد سواء في الله لا تأخذنا لومة لائم وقد ندبناهم الى الصلح مرارا فلم يمتثلوا إليه و الشربف كنا واعدناه لما كنا بحضرة فاس على ان نفاصله مع هؤلاء الخلط بحيث لا يبقى نزاع بينهم فإذا به خالف الوعد ورفع الدعوى للمقام العالي بالله فامتثلنا الأمر الشريف ووجهنا به لإعمال الشرع المطاع لازالوا عليه إلى الآن وقد أمرناهم بالتوجه إليه و جب الإعلام و على المحبة و السلام في 12 ربيع الثاني سنة 1261 هجرية).
و يظهر من خلال استقراء الرسالة اعلاه ان النزاع حول الأراضي و الحدود بين أهالي دوار العماير و بعض الشرفاء الريسونيين كان يتخذ أحيانا طابعا رسميا وقضائيا بحيث يصل صداه الى السلطان و يكون موضوع مراسلات بين الباشا أزطوط و الفقيه محمد بن إدريس كاتب الأوامر السلطانية في عهد المولى عبد الرحمان بن هشام من اجل وضع حد له.
و كاشارة اخرى فان التحاكم بين اهالي العماير و الشرفاء الريسونيين لم يسند لقضاة قبيلتي الخلوط بل اسند للقاضي مولاي عبد الهادي العلوي قاضي فاس وذلك من اجل الوقوف على الحياد في الخصومة بين الفريقين وذلك دلالة على جدية الخصومة و ما يمكن ان تنتج عنه من اثار بالقبيلة كلها.
3- العماير الطليق :
يقع دوار العماير الطليق جنوب دوار العماير الكوحل قريبا من الزنابلة و أولاد مؤنس و يعتبر هذا الدوار دليلا على تقسيم قبيلة الخلط إلى خلوط و طليق بعد نكبتهم الشهيرة زمن السعديين حيث عاد الطليق مرة اخرى الى مضاربهم الأصلية و استقروا بها حيث ترجع أصولهم دواويرهم الأم كما هو الحال مع العماير.
كما يوجد ضمن دواوير العماير عدد من الأسر المنحدرة من جيش البخاري الذين سبق للمولى محمد بن عبد الله و المولى سليمان أن قام بإسكانهم ضمن قبيلتي الخلوط و الطليق بعد أن فشا تمردهم على السلاطين بعد وفاة المولى إسماعيل.
[1] الخلوط و الطليق قبيلتان عربيتان تستقران بسهل اللكوس و الغرب أو ما كان يعرف بسهل أزغار قديما ترجع نسبتهما إلى قبيلة الخلط العقيلية من فروع المنتفق ومعاوية وعوف بني عقيل دخلت المغرب في عهد الدولة الموحدية زمن حكم يعقوب المنصور الموحدي و كان لها شان كبير في تاريخ المغرب السياسي و العسكري خاصة زمن الدولة المرينية و ساهمت في الجهاد ضد الغزو الايبيري للمغرب في القرنين السادس عشر و السابع عشر وتتكون الخلوط من سبعة بطون هي أولاد عمران و أولاد جلول وأولاد يعقوب و الصوالح وذوي عيسى و بجير و أولاد زيتون بينما تتكون الطليق من خمسة بطون هي الشكران و الحرطان و البدور و ضريسة و العقبان واولاد بوشتى.
[2] عبد العزيز بنعبدالله – الجيش المغربي عبر العصور – منشورات المعهد الوطني للدراسات القضائية - وزارة العدل -1989 – ص 28
[3] احمد بن خالد الناصري- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى – الجزء الأول – دار الكتب العلمية – بيروت – ص 296
[4] معجم المعاني الجامع الرائد و لسان العرب
[5] ينسب الناصري الواقعة الى الحروب التي نشبت بين ابي حسون الوطاسي و الشيخ السعدي حين استنصر ابي حسون بالخلط فقام الشيخ السعدي بالقبض على أعيان الخلط و اتخاذهم رهائن عنده بمراكش يقول (...وقدم معه جيش جرار الى فاس فاخرجوا الشيخ السعدي عنها بعد حروب عظيمة جرت الخلط من الجندية ووظف عليهم الخراج و محا اسمهم من ديوان الخدمة و نقل اعيانهم الى مراكش واتخذهم رهائن عنده ) الناصري - الاستقصا الجزء الاول ص 296
[6] Micheaux Bellaire - Les tribus arabes de la vallée de lukous- Archives marocaine Tome IV -1905 – p 88
Commentaires
Enregistrer un commentaire