يمكننا القول بأن أغلب الدراسات الكولونيالية التي همت
القبيلة في المغرب – بشكل عام - انطلقت
على المستوى المعياري من فكرتين مرجعيتين الأولى - تقوم على العداء لمفهوم القبيلة
باعتبارها بنية مناقضة للحداثة و لكونها التمثل المثالي للهمجية و البدائية و للا
تمدن مستعينة في هذا بالتصور اليوناني ثم الروماني حول العلاقة بين المركز والهامش
والحضارة و البربرية وبالتجارب الاستعمارية السابقة مع القبائل.
أما الثانية فتقوم على كون القبيلة تاريخيا هي البنية
الاجتماعية الأكثر انسجاما و محافظة و قوة داخل المجتمعات التقليدية و المحافظة - مثل المجتمع المغربي - لذلك وجب تفكيكها و القضاء
على انسجامها وعناصر قوتها لكي يسهل السيطرة على المجال الترابي الذي تنتشر فيه ثم
الاستفادة من التناقضات الموجودة داخل القبيلة و طبيعتها الانقسامية لتفتيتها.
أما على المستوى الوظيفي فقد عمد الاستعماريون
المستعربون والمستفرقون إلى التركيز على القبيلة و الزاوية لكونهم أدركوا منذ زمن
بعيد أن السلطة المركزية الممثلة في المخزن لم يكن لديها القدرة على ضبط المجالات
الترابية دون الاعتماد عليهما واستمالتهما ولذلك كان نسيج الزوايا الصوفية في
معظمه متحالفا مع الدولة أما بالنسبة للقبائل فقد كان تقسيمها إلى كيش و نايبة
معطى كافيا للدلالة على أهميتها في استقرار السلطة و استمراريتها على المستويين
العسكري و المالي.
وبالتالي فإن انهيار هذه البنية أو الدفع بها نحو
الانهيار و التصادم مع السلطة المركزية سيؤدي حتما إلى ضعف الدولة وتلاشي مقومات
استقرارها و استمرارها وهذا ما حدث تماما عندما سادت حالة السيبة التي يذهب الكثير
من المؤرخين المغاربة إلى كونها كانت نتيجة طبيعية للسياسات الخاطئة التي انتهجها
المخزن بسبب الضغوط الاستعمارية وفشل القواد في تدبير الإشكالات المجالية.
لايهمنا كثيرا في هذه المقاربة الوقوف عند القراءة
السوسيولوجية و الانتربولوجية و التصورات النظرية لبنية القبيلة مع أهميتها القصوى
لأي تحليل تاريخي لأن الهدف هنا هو الوقوف على الدور السياسي بشكل أساسي خاصة وأن
التأثير السياسي للقبيلة في مجريات الأحداث قبل و بعد فرض الحماية كان حاسما في رسم
ملامح المغرب الجديد كما أراده المستعمر.
حيث كان لإنهاء الدور
السياسي للقبيلة بالغ الأثر في التحولات الاجتماعية و الاقتصادية التي
سيعرفها المغرب فيما بعد و خاصة في منطقة الشمال الغربي أو مايسمى بإقليم الهبط
حيث تنتشر قبيلتي الخلوط و الطليق إلى جانب القبائل الجبلية.
كان من بين الأهداف الأساسية لإضعاف دور القبيلة السياسي
هو إضعاف قيادتها السياسية و الاجتماعية وجعلها غير قادرة على الحفاظ على عناصر وحدتها و بالتالي العجز عن صياغة الموقف
السياسي سواء من السياسة المخزنية و ممارسات القياد و الباشاوات أو الموقف من
الاستعمار و ممارساته الكولونيالية.
وعلى العموم فقد كان هدف إنهاء الدور السياسي للقبيلة
هدفا مشتركا للمخزن و الاستعمار في نهاية القرن التاسع عشر.
فقد كان المخزن يخشى القبائل و يحاول ما أمكن إضعافها لأنها
مصدر للتمرد و إشاعة السيبة أما الاستعمار فكان ينظر إليها باعتبارها المصدر
الأساسي للمقاومة و الجهاد و أن اتحادها يشكل الخطر الأكبر على السياسة
الاستعمارية في المغرب خاصة إذا توحدت حول الدعوة للدفاع عن الوطن و الدين كما هو الحال مع القبائل الصحراوية تحت قيادة
الشيخ ماء العينين و القبائل الامازيغية الأطلسية تحت قيادة موحا اوحمو الزياني و
القبائل الريفية تحت قيادة عبد الكريم الخطابي و القبائل الجبلية و الهبطية تحت
قيادة مولاي احمد الريسوني.
عرفت العلاقة بين قبيلتي الخلوط و الطليق و المخزن
العلوي تذبذبا واضحا منذ عهد المولى إسماعيل بين كونها مصدرا لقوة المخزن و دعامة
يعتمد عليها في معارك تحرير الثغور خاصة ثغري العرائش وطنجة إلى مصدر للتمرد والإزعاج
لسلطة المخزن و المشاركة في الفتن التي تلت وفاة المولى إسماعيل.
فقد شاركت القبيلتين في كثير من الحروب التي دارت رحاها
بين أبناء المولى إسماعيل في صراعهم على السلطة حتى أن الأمير محمد بن عبد الله
كاد يسقط ضحية إحدى المعارك التي خاضها ضد قبيلتي الخلوط و الطليق بعد أن شج رأسه ابن
بعير الطليقي ونجا منها بأعجوبة بعد أن لاذ بحضرة ضريح مولاي علي بوغالب بمدينة
القصر الكبير.(الضعيف الرباطي ص 145 )
ثم هدأت الأمور بعد هذه الفترة التي عرفت تقسيم عبيد
البخاري و توزيعهم على قبيلتي الخلوط و الطليق وسفيان وبني مالك و توطينهم بها
خاصة بدواوير العماير الكوحل و البغادة و والعماير الطليق (ثم عفا عنهم واستردهم
من القبائل الى الجندية و اركبهم وكساهم وسلحهم لكنه ميزهم وجعلهم قبائل في الخلط
و طليق و منهم من انزلهم بقصر كتامة و سفيان ) الناصري الاستقصا - ص 48 ج 2
لتعود علاقة التوتر مرة أخرى في عهد المولى سليمان بعد
أن ثارت ثائرة القبيلتين بسبب إقدام مولاي الطيب أخ المولى سليمان على قتل ابن
قائد القبيلتين البدري بعد أن تفوق عليه في سباق للفروسية و عزمهم على الأخذ
بالثأر منه لولا تدخل العقلاء و الشرفاء العلميين و الريسونيين.
و من اجل كسر شوكة القبيلتين فقد عمد المخزن العلوي منذ
عهد المولى عبد الرحمان إلى إسناد ولايتها لقواد غرباء عن القبيلتين و هكذا سيتولى
شؤون القبيلتين في أغلب فترات القرن التاسع عشر
أسر من الريف و شراكة وهما أسرتي ازطوط و ولدبا محمد الشركي في حين ظل
القضاء بيد أسرة الخمالي الخلطية.
كان للتحول الذي عرفه المغرب في نهاية عهد المولى الحسن
و فترة تولي المولى عبد العزيز الأثر
البالغ على القبيلتين حيث انعكست السياسة التي اعتمدها الصدر الأعظم باحماد
بن موسى في تولية القواد على وضع القبيلتين الاجتماعي والسياسي وزادت من حدة
الانقسامات والصراعات بين الأسر الخلطية والطليقية التي تولى أعلامها شؤون القبيلة
مثل أسرة الرميقي و الخمالي و بلهرادية و أولاد بن عبد الجليل و أسرة الخلخالي
التي سيلقى شيخها الباشا عبدالقادر الخلخالي مصيرا مأساويا باغتياله قرب اثنين
سيدي اليماني على يد جماعة من قطاع الطرق كما تذهب إلى ذلك الوثائق التي بين
أيدينا ليخلفه ابنه محمد بن عبد القادر الخلخالي الذي هرع بعد وفاة أبيه إلى فاس
ليشتري منصب الباشوية من باحماد بن موسى.
رصد الاستعماري ميشو بلير هذه الأحداث بكثير من العناية
وكان على اطلاع تام بما يحدث داخل القبيلتين من صراع بين القوى الفاعلة داخل
القبيلتين كما فعل الأسبان و الألمان الذين سعوا إلى استمالة هذه الأطراف من خلال
الحمايات القنصلية حيث منح الألمان حمايتهم للقائد بوسلهام الرميقي في حين ربطته
بالأسبان علاقات وثيقة ستتبلور فيما بعد في الدور الذي سيلعبه في تيسيره لعملية
احتلال سهل اللكوس.
.....يتبع
Commentaires
Enregistrer un commentaire