ثلاثاء ريصانة في رحلة الكاتب الايطالي العالمي ادموندو دي أميسيس


ثلاثاء ريصانة في رحلة الكاتب الايطالي العالمي ادموندو دي أميسيس
Edmondo De Amicis
بدرالدين الخمالي
مركز ريصانة للدراسات و الأبحاث حول تاريخ قبيلتي الخلوط و الطليق


ظلت ريصانة و سوقها الشهير الذي ينعقد يوم الثلاثاء محطة أساسية في كتابات الرحالين المغاربة و الأجانب نظرا لتوسطها الطريق الرابطة بين طنجة و فاس.
وقد بقيت كذلك طيلة العصور الوسيطة إلى حدود القرن العشرين حيث كانت محطة أساسية لتوقف و استراحة القوافل التجارية و البعثات الدبلوماسية المنطلقة من طنجة نحو فاس أو العكس و كذلك بالنسبة للرحالين كما كانت طريقا أساسيا للذاهبين للحج عبر ميناء طنجة.
و من بين الرحالين الأجانب الذين خلدوا اسم ريصانة في كتاباتهم نذكر كلا من الرسام و الأديب الفرنسي اوجين دولاكروا الذي اعمل الرحلة إلى المغرب سنة  1832 في عهد المولى عبد الرحمان بن هشام و الأديب و الكاتب الايطالي Edmondo De Amicis ادموندو دي أميسيس الذي اعمل الرحلة إلى المغرب سنة 1875  رفقة السفير الايطالي ستيفانو سكوفاصو stefano scovasso  من اجل لقاء المولى الحسن الأول وتقديم تهاني الملك الايطالي فكتور امانويل الثاني له بتوليه للعرش.[1]
وقد اندرجت سفارة سكوفاصو ضمن الجهود التي كانت تبذلها ايطاليا لإثبات حضورها في المغرب و ضمان مصالحها في ظل الصراع الأوروبي المحموم.
أما بالنسبة للمغرب فقد كانت سفارة سكوفاصو ذات أهمية كبرى بحكم أنها جاءت في فترة دقيقة تلت بيعة المولى الحسن الأول و بداية سياسة الترتيبات و إعادة النظر في هياكل الدولة المخزنية و دواليب الحكم التي فرضت ضرورة تطوير العلاقات المغربية مع دول أوروبية مختلفة رغبة في المحافظة على موازين القوى و اكتساب مرتكزات دبلوماسية تمكنه من صد الغزو الامبريالي وضمان استقلاله.[2]
ففي كتابه الذي عنونه ب ( المغرب Marocco -)[3] يصف دي اميسيس المسار الذي قطعته السفارة الايطالية من مدينة طنجة إلى فاس مرورا بحد غربية و اثنين سيدي اليماني و ثلاثاء ريصانة و القصر الكبير و قرية الحباسي و سيدي قاسم و بني حسن و مكناس ثم فاس.[4]
حيث كان يتوقف في كل محطة من هذه المحطات واصفا الطبيعة و السكان و المدن و المساجد و الأضرحة و العادات و الأهازيج و الفروسية و كذا لقاءات السفير الايطالي بالأعيان و القواد الذين كانوا يرافقونه أو ينزل ضيفا عليهم خاصة القايد بوعودة و القايد الحباسي.
ولد ادموندو دي أميسيس سنة 1846 بمدينة اونجليا شمال ايطاليا عند الحدود الايطالية الفرنسية و تخصص في الأدب و الصحافة و المجال التربوي حيث ألف عددا من الكتب الهادفة  في مجال التربية و خاصة روايته الشهيرة (قلب) كما ألف ثلاث كتب في أدب الرحلة دون خلالها أحداث رحلته إلى اسبانيا سنة 1873 و رحلته إلى هولندا سنة 1874 ثم رحلته الى المغرب سنة 1875 .
وحسب تقرير السفير الايطالي سكوفاصو فقد تم اختيار دي اميسيس لتدوين احداث هذه الرحلة السفارية لعدد من الاعتبارات منها شهرته الصحفية و قدراته الأدبية خاصة بعد نشره لكتابه الحياة العسكرية سنة 1868 و رحلتيه إلى اسبانيا و هولندا اللتان برهن فيهما عن أسلوب متميز في الوصف و قدرات عالية في التأليف ثم انتماءه السياسي إلى الحزب التقدمي الايطالي الذي كان يتطلع إلى تخطي الحدود الجغرافية الايطالية و البحث عن المستعمرات.[5]
كانت ريصانة إحدى محطات رحلته إلى المغرب في نهاية القرن التاسع عشر حيث توقفت بها البعثة الدبلوماسية الايطالية في طريقها إلى مدينة فاس و قد خصها دي اميسيس في كتابه بوصف طبيعتها و أجواءها خاصة و أن الرحلة كانت في نهاية فصل الربيع و بداية فصل الصيف.
كان ادموندو دي أميسيس يرافق السفير الايطالي في رحلته بالإضافة إلى عدد من الرسامين الايطاليين المرموقين و نذكر منهم خاصة الرسام العالمي سيزار دي بيسو و اوسي اللذان خلدا هذه الرحلة برسوماتهما الرائعة التي من بينها رسم بيسو لقبة ضريح سيدي اليماني و لقاء السفير الايطالي بباشا العرائش.
كما كان يرافق الوفد الايطالي تاجر مغربي من ذوي الحماية الايطالية اسمه محمد الدكالي الذي وصفه دي اميسيس بأنه من الأغنياء لامتلاكه أكثر من ثلاثين منزلا بمدينة طنجة و قد كان محمد الدكالي يتقن الايطالية و الانجليزية بسبب عمله في التجارة وسفره إلى ايطاليا و انجلترا.
بعد مغادرة قافلة دي اميسيس لحد غربية سيلتقيه عند حدود اثنين سيدي اليماني عامل العرائش رفقة مجموعة من الفرسان ويصف دي أميسيس عامل العرائش بأنه رجل كبير السن بلحية بيضاء كثيفة ( بعد سلامه على السفير عاد إلى فرسانه و أشار إليهم بالبدء لكي يقوموا بالتبوريدة ترحيبا بالوفد ...)[6]
لقد كان من الواضح أن الفرسان الذين كانوا يرافقون باشا مدينة العرائش هم فرسان قبيلة الخلوط  الذين رسم لهم سيزار بيسو لوحتين تظهران في الأولى قيامهم بالتبوريدة وفي الثانية وهم يرافقون الوفد الايطالي وهو يجتاز مجال قبيلة الخلوط انطلاقا من اثنين سيدي اليماني مرورا بثلاثاء ريصانة حيث سيبيتون ليلهم بها قبل أن يواصلوا صباحا الطريق نحو مدينة القصر الكبير.
يقول ادموندو دي اميسيس وهو يصف وصوله إلى ريصانة ( ...أخيرا انخفضت درجة الحرارة ...حرس حد غربية المرافق لنا و القنصل الأمريكي بطنجة و نائب باشا طنجة جاؤوا إلى هنا من اجل تقديم التمنيات بالسفر السعيد للسيد السفير ثم انصرفوا بينما واصلنا الطريق رفقة ثلاثمائة فارس من إقليم العرائش.
مجال شاسع مغطى بالقمح و الشعير و بعيدا عشب مصفر و أزهار... بعض الخيام السوداء و أضرحة السادات... تظهر بعض النخلات من حين لآخر ...مسافة بعد أخرى يظهر ثلاثة أو أربعة فرسان ينظمون إلى الحرس المرافق.
وحدة صارخة سماء صافية شمس ساطعة ...هذه هي الملاحظات التي وجدتها بمذكرتي بخصوص هذا اليوم الثاني 5 ماي.
بعد ثلاث ساعات من السير و صلنا لثلاثاء ريصانة حيث سنقيم المعسكر ...الخيام نصبت كالعادة بشكل دائري في حوض ضيق و منخفض مفروش بالعشب و الورود طولها يمنع من السير حتى ظننا أننا داخل حديقة ...الأسرة و الصناديق تحت الخيام اختفت داخل الورود ...بجانب خيمة الرسامين ارتفعت شجرتا صبار بأغصان متوردة...)
صحيح أن الرحلة الايطالية لم تتوقف كثيرا بثلاثاء ريصانة كما لم تحدث بها أحداث كبيرة باستثناء اللقاء التاريخي الذي جمع بين علي بن محمد ازطوط – رغم ان دي اميسيس لم يذكره بالاسم - باشا العرائش و قبيلة الخلوط آنذاك و السفير الايطالي على مشارف مجال القبيلتين من اجل تامين الحماية للبعثة الدبلوماسية وهو ما وقفنا عليه و سجلناه بكثير من التدقيق في هذه الدراسة.
إلا انه ينبغي القول أن ثلاثاء ريصانة بقيت طيلة القرن التاسع عشر محطة أساسية نحو فاس و ذلك لتوسطها الطريق الأساسية  بينها و بين مدينة طنجة بل أن الدراسات الاركيولوجية تؤكد بان ريصانة كانت إحدى أهم نقاط المرور بالنسبة للطريق الرومانية القديمة و أنها كانت تتوفر على مجموعة من مراكز الحراسة الرومانية و الماثر الرومانية و الدليل على ذلك القنطرة الرومانية التاريخية التي توجد على نهر و ادي المخازن قرب دوار أولاد بن الصيد.
وان مجال قبيلتي الخلوط و الطليق الذي تنتمي إليه ريصانة سيكون طيلة المنتصف الأول للقرن العشرين مجالا ضاجا بالأحداث و المواقف التي ستؤثر حتما في تاريخ المغرب الحديث و خاصة الأحداث التي سبقت احتلال مدينة العرائش سنة 1911.



[1]  سفارة البعثة الايطالية بقيادة السفير الايطالي ستيفانو سوفاصكو إلى المولى الحسن الأول سنة 1875 – اعتمدنا على النسخة الايطالية (الطبعة الرابعة) ثم على الترجمتين  الفرنسية و الانجليزية لرحلة دي اميسيس.
[2]  بهيجة سيمو – العلاقات المغربية الايطالية 1869-1912 – منشورات اللجنة المغربية للتاريخ العسكري – مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء - الطبعة الأولى 2003 – ص 149
[3] يندرج كتاب المغرب لدي اميسيس ضمن الاسطوغرافيا الاستعمارية التي ألف كتابها عن المغرب ضمن تصور خاص ان غمز دي اميسيس للمغرب من زاوية إخبارية و بتوجه امبريالي هو ما جعل فرنسا تنتبه الى أهميته كما ادركت الدول الامبريالية ضرورة ترجمة الكتاب فترجم إلى اللغة الفرنسية سنة 1882 و الى اللغة الانجليزية سنة 1886  ثم إلى اللغة الاسبانية سنة 1889 – بهيجة سيمو نفس المرجع ص 203
[4] Edmondo De Amicis – Marocco- quarta edizione- Milano - 1877
[5]  بهيجة سيمو. نفس المرجع ص 202
[6]  من المؤكد ان قائد العرائش المذكور في رحلة دي أميسيس هو علي بن محمد ازطوط الذي كان باشا مدينة العرائش سنة 1875 حسب الوثائق المتعلقة بهذه الفترة خاصة نص بيعة اهل العرائش و أصيلة و بني كرفط للمولى الحسن الأول التي يرد فيها اسم علي بن محمد خديم العتبة الشريفة  في مقدمة الموقعين على البيعة ومن باب التوضيح فهذه البيعة لا تشمل فقط اهل العرائش و أصيلة و بني كرفط بل تتعلق كذلك بقبيلة الخلوط حيث يظهر من بين الموقعين عليها أعيان قبيلة الخلوط و في مقدمتهم اسم القاضي العربي بن الطالب الخمالي الخلطي و بوسلهام بن علي الرميقي الخلطي و ابن اخيه محمد الملالي الرميقي الخلطي – يراجع في هذا نص وثيقة بيعة أهل العرائش و اصيلة و بني كرفط للمولى الحسن الأول – محفوظة بمديرية الوثائق الملكية.
وعلى هذا الأساس فان علي بن محمد ازطوط لم يكن فقط باشا على العرائش بل كانت ولايته تشمل قبيلة الخلوط  و بني كرفط كذلك لذلك من المرجح انه هو المقصود في رحلة دي أميسيس وقد رسم له الرسام الايطالي سيزار بيسيو   C.BISEOالذي كان يرافق السفير الايطالي في رحلته بورتريها نادرا  ورد في النسخة الايطالية لرحلة دي اميسيس- الطبعة الأولى و في النسخة المترجمة إلى الفرنسية.

Commentaires