لسان الدين ابن الخطيب يمدح شيخ قبيلة الخلط




جاء في كتاب الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى أن شاعر الأندلس و فيلسوفها الوزير الاديب اللبيب الطبيب لسان الدين بن الخطيب لما نزل بالمغرب بعد نكبته بغرناطة التقى بعدد كبير من الشرفاء و الوجهاء و الاعيان و منهم شيخ قبيلة الخلط مبارك بن ابراهيم بن عطية المهلهل الخلطي فمدحه و أثنى عليه   

يقول صاحب الاستقصا (...كان ابن الخطيب رحمه الله عندما حصلت له هذه النكبة وخلصه الله منها بانتقاله إلى بلاد العدوة قد عن له رأي في التزهد والانقطاع إلى الله تعالى واغتنام بقية العمر فيما يعود نفعه في العاجل والآجل ورفض السلطان وأسبابه وترك ما يلجئه للوقوف ببابه فتلطف في استئذان السلطان أبي سالم رحمه الله وطلب منه الإذن في الذهاب إلى جهات مراكش والوقوف على آثار الأقدمين بها والتطارح على أوليائها والمثول بأعتابها والتعلق بأذيالها والتمسك بأسبابها جاعلا ذلك مفتاح العزلة والتخلي عن الدولة فأذن له وكتب إلى العمال بإتحافه والاعتناء به فتباروا في ذلك كما يفصح عنه بعض شعره الآتي ......فلما نزل بقبيلة الخلط ضيفا على شيخ العرب مبارك بن إبراهيم بن عطية ابن مهلهل الخلطي القى في حضرته ابياتا من الشعر قال فيها  

ساحات دارك للضياف مبارك * وبضوء نار قراك يهدي السالك
ونوالك المبذول قد شمل الورى * طرا وفضلك ليس فيه مشارك
قل للذي قال الوجود قد انطوى * والبأس ليس له حسام فاتك
والجود ليس له غمام هاطل * والمجد ليس همام باتك
جمع الشجاعة والرجاحة والندى * والبأس والرأي الأصيل مبارك
للدين والدنيا وللشيم العلا * والجود إن شح الغمام السافك
عند الهياج ربيعة بن مكدم * والفضل والتقوى الفضيل ومالك
ورث الجلالة عن أبيه وجده * فكأنهم ما غاب منهم هالك
فجياده للآملين مراكب * وخيامه للقاصدين أرائك
فإذا المعالي أصبحت مملوكة * أعناقها بالحق فهو المالك
يا فارس العرب الذي من بيته * حرم لها حج به ومناسك
يا من يبشر باسمه قصاده * فلهم إليه مسارب ومسالك
أنت الذي استأثرت فيك بغبطتي * وسواك فيه مآخذ ومتارك
لا زلت نورا يهتدي بضيائه * من جنه للروع ليل حالك
ويخص مجدك من سلامي عاطر * كالمسك صاك به الغوالي صائك

ثم قال نثرا  ( الحمد لله تعالى الذي جعل بيتك شهيرا وجعلك للعرب أميرا وجعل اسمك فالا ووجهك جمالا وقربك جاها ومالا وآل رسول الله آلا أسلم عليك يا أمير العرب وابن أمرائها وقطب سادتها وكبرائها وأهنيك بما منحك الله تعالى من شهرة تبقى ومكرمة لا يضل المتصف بها ولا يشقى إذ جعل خيمتك في هذا المغرب على اتساعه واختلاف أشياعه مأمنا للخائف على كثرة المذاهب والطوائف وصرف الألسنة إلى مدحك والخلود إلى حبك وما ذلك إلا لسريرة لك عند ربك ولقد كنت أيام تجمعني وإياك المجالس السلطانية على معرفتك متهالكا وطوع الأمل سالكا لما يلوح لي على وجهك من سيما المجد والحياء والشيم الدالة على العلياء وزكاء الأصول وكرم الأباء وكان والدي رحمه الله قد عين للقاء خال السلطان قريبكم لما توجه في الرسالة إلى الأندلس نائبا في تأنيسه عن مخدومه ومنوها حيث حل بقدومه واتصلت بعد ذلك بينهما المهاداة والمعرفة والرسائل المختلفة فعظم لأجل هذه الوسائل شوقي إلى التشرف بزيارة ذلك الجناب الذي حلوله شرف وفخر ومعرفته كنز وذخر فلما ظهر الآن لمحل الأخ القائد فلان اللحاق بك والتعلق بسببك رأيت أنه قد اتصل بهذا الغرض المؤمل بعضي والله تعالى ييسر في البعض عند تقرير الأمر وهدنة الأرض وهذا الفاضل بركة حيث حل لكونه من بيت أصالة وجهاد وماجدا وابن أمجاد ومثلك لا يوصى بحسن جواره ولا ينبه على إيثاره وقبيلك من العرب في الحديث والقديم وهو الذي أوجب لها مزية التقديم لم تفتخر قط بذهب يجمع ولا ذخر يرفع ولا قصر يبنى ولا غرس يجنى إنما فخرها عدو يغلب وثناء يجلب وجزر تنحر وحديث يذكر وجود على الفاقة وسماحة بحسب الطاقة فلقد ذهب الذهب وفنى النشب وتمزقت الأثواب وهلكت الخيل العراب وكل الذي فوق التراب تراب وبقيت المحاسن تروى وتنقل والأعراض تجلى وتصقل ولله در الشاعر إذ يقول
إنما المرء حديث بعده * فكن حديثا حسنا لمن وعى
هذه مقدمة إن يسر الله بعد لقاء * الأمير فيجلى اللسان عما في الضمير
ومدحي على الأملاك وقف وإنما * رايتك منها فامتدحت على وسمي
وما كنت بالمهدي لغيرك مدحتي * ولو أنه قد حل في مفرق النجم



Commentaires